تتميز عسير السعودية بموقعها الجغرافي، حيث جذبت عواملها المميزة مطورين عالميين ومسؤولين سعوديين إلى رسم مستقبل جديد لعسير، مستقبل يجعلها حجر الزاوية في رهان السعودية البالغ تريليون دولار على السياحة.
تطوير العسير
ورغم عدم وجود منشآت فاخرة حتى الآن، يعمل كل من صندوق الاستثمارات العامة ومستثمرين من القطاع الخاص على وضع خطط رئيسية بتكلفة مليارات الدولارات لمشاريع يمكن الاستمتاع بها على مدار العام.
على عكس ناطحات السحاب ذات الواجهات العاكسة في نيوم أو مواقع التخييم الفاخرة في العلا، فإن جوهر إستراتيجية عسير يقوم على عنصر بسيط وأساسي: الطبيعة.
قال لويس جالوتي، وهو مستثمر مقيم في ميامي يعمل على تطوير منتجع جبلي فخم جدا في عسير: "يمكنك الإقامة على جبل، والغوص في البحر الأحمر، والانطلاق إلى الصحراء، كل ذلك في غضون ساعات قليلة (...) إنه شيء مختلف عن بقية العالم".
في الوقت الحالي، تستقبل عسير أقل من 100 ألف مسافر دولي سنويا - وهو رقم منخفض يرى مسؤولون سعوديون إمكانية كبيرة لارتفاعه. سيساعد نمو عدد الزوار في عسير على مضاعفة عدد الزوار الأجانب السنوي الحالي في البلاد، ليصل إلى 70 مليونا بحلول 2030.
من جهتها، تقول سيسيليا بويو، رائدة أعمال فرنسية والرئيسة التنفيذية لوكالة السفر Bonjour Saudi: "لا أحد يعلم حتى الآن أن السعودية تتمتع بهذه المناظر الطبيعية الخلابة، وأن الصيف ليس حارا".
زارت بويو عسير لأول مرة في 2023، وفي أبريل نظمت أول برنامج لها، حيث جذبت في الأغلب السكان المحليين إلى قرية جبلية لممارسة رياضة المشي لمسافات طويلة واليوغا. ومنذ ذلك الحين، تجيب بويو على أسئلة الأجانب الراغبين في زيارة المنطقة. كما تنظم رحلات لمدة 3 أيام إلى عسير تستهدف كلا من السكان المحليين وغير السعوديين. و"رجال ألمع" إحدى المحطات الرئيسية.
بالنسبة إلى الذين لا يعرفون السعودية جيدا، قد تُشكل المخاوف الأمنية مشكلة، خاصة أن عسير تتصل بحدود صغيرة مع اليمن المنكوب بالصراع. لكن بويو تؤكد إنها دائما تشعر بالأمان في المنطقة وترحيب السكان المحليين بها. وتضيف أن التحدي الأكبر يكمن في غياب معلومات واضحة تُساعد الراغبين في الزيارة على التخطيط بثقة، إلى جانب تحفظات الأجانب بشأن زيارة السعودية المحافظة والسفر إليها، وخاصة إحدى مناطقها الأكثر تقليدية. وتوضح قائلة: "هناك عمل ضخم يجب إنجازه في قطاع السياحة".
ستُعالج مشاريع الفنادق التي يجري تطويرها حاليا مشكلة أخرى: نقص الفنادق عالية الجودة. فلا يوجد فندق من الفنادق الحالية قريب ولو من بعيد من المواقع السياحية القيمة، مثل منازل الحجر الرملي المعلقة في الحبلة. بمجرد وصولك إلى مطار أبها الدولي، ستجد أن معظم أماكن الإقامة مركزة في مدينة أبها الرئيسية، في مبان قديمة ذات غرف عتيقة.
لكن ما ينقصها يُعوضه سحر وثقافة المدينة نفسها، التي يبلغ عدد سكانها 300 ألف نسمة، تقع الأسواق والقرى المبنية من الطين والأحياء الفنية بين تلال شديدة الانحدار، كتلك الموجودة في سان فرانسيسكو ولشبونة. لكن جاذبية عسير تكمن في تنوع تضاريسها البكر: رمال ذهبية ممتدة بين تلال صخرية سوداء، وهضاب عشبية تتميز بندرة وجود أي بناء أو تطوير، وشواطئ هادئة على طول ساحل البحر الأحمر.
في الوقت الحالي، يتطلب التنقل استئجار سيارة وجرعة من الشجاعة - فالوصول إلى رجال ألمع يتطلب القيادة عبر طريق ضيق وعر ومتعرج عبر واد. كخيار بديل، يمكن ترتيب رحلة ليوم واحد مع منصة Viator مقابل نحو 300 دولار للشخص الواحد. إن منظر القرية التراثية، التي تتميز ببيوت مزخرفة جميلة، يجعل خوض غمار المجهول تجربة تستحق العناء.
مساعدة المسافرين على التنقل في المنطقة - وتوفير مكان فاخر لهم ليرتاحوا نهاية اليوم - هو من أهم أولويات لويس جالوتي، مؤسس مجموعة أميك، المقيم في ميامي.
في 2026، يخطط جالوتي لبدء أعمال إنشاء منتجع جبلي فاخر في عسير، يضم أكثر من 70 غرفة فندقية، و30 فيلا خاصة، وتجربة تزلج على العشب، باستخدام زلاجات مزودة بعجلات، على مسارات خضراء تمتد لنحو 3 آلاف قدم.
عند افتتاحه في 2029، يخطط جالوتي لجعل المنتجع جزءا من علامة Seven Legends الناشئة التابعة لشركة أميك، والتي تتمثل مهمتها في إنشاء فنادق في 7 وجهات فقط ذات مناظر طبيعية خلابة. سيُفتتح أول فندق في باتاغونيا الأرجنتينية، ومن المتوقع أن يكون فندق عسير هو الثاني. يقول: "عندما أتينا إلى عسير، وقعنا في الحب من النظرة الأولى".
ليست Seven Legends وحدها في هذا المسار: يدعم صندوق الاستثمارات السعودي، الذي تبلغ قيمته تريليون دولار أمريكي، مشروعا يُسمى "قمم السودة"، والذي سيضم فنادق فاخرة ووحدات سكنية ومراكز تسوق على أعلى جبل في السعودية. وتهدف الخطة إلى إتاحة معظم الأراضي المحيطة بالسودة للمشي وركوب الدراجات على الطرق الجبلية؛ كما ستشمل ميزانيته الحفاظ على مواقع تراثية وترميمها، مثل جبال رجال ألمع - الواقعة بالقرب من سفح جبل السودة، وعشرات الجبال الشاهقة الأخرى.
كما بدأ صندوق الاستثمارات مشاريع لبناء مجمعات سكنية جديدة في أبها، وأنشأ شركة عسير إنفستمنتس بهدف تحويل المنطقة إلى وجهة سياحية عالمية.
لا يزال الأمر في مراحله الأولى. من المتوقع أن تبدأ مناقصات إنشاء البنية التحتية، مثل الكهرباء، لقمم سودة هذا العام، في الوقت الذي تواجه فيه عديد من مشاريع السعودية الضخمة الأخرى، مثل نيوم، عقبات مالية كبيرة. إلا أن مشروع عسير حساس من الناحية الزمنية، إذ من المقرر أن تستضيف بعض المباريات على الأقل خلال كأس العالم لكرة القدم 2034، لا مجال للتأخير أمام السعوديين.
في الوقت الحالي، على أي حال، يرى هاشم الدباغ، وهو مواطن سعودي يرأس هيئة تطوير عسير، المنطقة بمنزلة جوهرة خفية، سواء في السعودية أو خارجها. عندما يذهب في نزهات نهاية الأسبوع، يستقبله الهواء النقي ومجموعات من قرود البابون البرية. ويقول: "هذا أشبه بمستوى ناشيونال جيوغرافيك، واستمتع به كملِك".